أمريكا عدو أوروبا؟ أوروبا عارية وعاجزة بدون واشنطن، فهل منقذ؟

المؤلف: كمال أوزتورك09.17.2025
أمريكا عدو أوروبا؟ أوروبا عارية وعاجزة بدون واشنطن، فهل منقذ؟

العنوان الصارخ الذي يزعم أن "الولايات المتحدة قد تحولت إلى خصم لأوروبا" ليس من بنات أفكاري، بل هو اقتباس مباشر من أحد الدبلوماسيين الأوروبيين المخضرمين.
قد يكون إعلان "الحرب" غير المعلن بين الولايات المتحدة وأوروبا قد وقع بالفعل خلال قمة ميونخ الأمنية التي عقدت في الرابع عشر من شهر فبراير/شباط. ففي ذلك اليوم المشؤوم، بينما كانت أوروبا بأسرها تحتفل بعيد الحب الرومانسي، ألقى نائب الرئيس الأميركي الجديد، جي دي فانس، خطابًا لاذعًا وقاسيًا، لدرجة أنه أطفأ جذوة الرومانسية في هذا اليوم الاحتفالي.

الدبلوماسيون والساسة المتمرسون الذين استمعوا بانتباه إلى كلماته الحادة، بدأت تراودهم شكوك مقلقة: هل من الممكن أن تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن دورها كصديق حميم لأوروبا، بل ربما تحولت إلى عدو لدود؟ لقد بلغ الوضع بالفعل هذا المنحى الخطير.

جدعون راشمان، كبير المحررين للشؤون الخارجية في صحيفة فايننشال تايمز المرموقة، أجرى محادثات معمقة مع دبلوماسيين وسياسيين بارزين حضروا الاجتماع، ونقل عنهم هذه المخاوف العميقة، بل واستعار عنوان مقاله المثير من صميم كلماتهم. لم تكن فايننشال تايمز وحدها في توجيه انتقادات لاذعة للسياسة الأميركية، بل انضمت إليها صحف عالمية كبرى مثل الإيكونوميست والغارديان، بالإضافة إلى قنوات إعلامية مؤثرة مثل بي بي سي، التي أجرت تحقيقًا مفصلًا حول كيفية تمكن أوروبا من حماية نفسها دون الاعتماد بشكل كامل على الدعم الأميركي.

بعبارة أكثر وضوحًا، التصريحات المتعالية التي أدلى بها كل من الرئيس ترامب ونائبه فانس ورجل الأعمال المثير للجدل إيلون ماسك، قد أثارت استياء وغضب الساسة والدبلوماسيين والمثقفين الأوروبيين إلى حد غير مسبوق في العلاقات عبر الأطلسي.

أوروبا بلا الولايات المتحدة، مكشوفة وعاجزة

لطالما انغمست أوروبا في حالة من الاسترخاء والهدوء الظاهري، منشغلة بمناقشات مطولة ومعقدة حول "فضائل" زواج المثليين، ومصير أسماك السلمون المهددة بالانقراض في بحار الشمال المتجمدة، واتباع نظام غذائي نباتي صارم، وأسبوع الموضة السنوي في مدينة ميلانو الإيطالية. لكن بعد أن تلقت صفعة قوية ومفاجئة من حليفها القديم خلال قمة ميونخ، يبدو أنها استيقظت فجأة من سباتها العميق.

حتى الساسة الأوروبيون، الذين اعتادوا إلقاء الخطب الرنانة حول ضرورة طرد المهاجرين من القارة العجوز، والدفاع المستميت عن حرق المصحف الشريف تحت ستار "حرية الفكر والتعبير"، والتنظير المستمر حول حقوق الأقليات في دول أخرى بعيدة، وجدوا أنفسهم الآن في مواجهة سؤال أكثر إلحاحًا وأهمية: "ماذا سنفعل تحديدًا بدون الدعم والحماية التي توفرها لنا الولايات المتحدة؟"

إجابة هذا السؤال المحوري جاءت على لسان أحد وزراء الخارجية الأوروبيين، خلال حديث خاص ومباشر مع صحيفة فايننشال تايمز، حيث قال بصراحة ووضوح: "بدون الولايات المتحدة، نحن عاجزون تمامًا حتى عن تنفيذ أبسط المهام الأمنية الروتينية".

فبعد سنوات طويلة من الاتكال الكامل على الحماية الأميركية الشاملة، بدأ الأوروبيون يدركون أخيرًا أن جيوشهم لم تعد أكثر من مجرد شرطة مرور مزودة بأسلحة خفيفة، وأنهم عمليًا لا يمتلكون قوة عسكرية حقيقية قادرة على حماية أراضيهم ومصالحهم من أي تهديدات محتملة.

أما واشنطن، التي يقودها رئيس ينظر إلى كل شيء من منظور مادي بحت، بمنطق الربح والخسارة، فقد قررت إنهاء هذا "العصر الذهبي" المجاني الذي تمتعت به أوروبا طويلًا، إذ صرح الأميركيون بوضوح: "لقد أنفقنا مليارات الدولارات على حمايتكم عبر حلف الناتو والقواعد العسكرية المنتشرة في جميع أنحاء القارة، ولكن هذا الوضع المريح والمجاني قد انتهى الآن إلى الأبد".

وقد زار وزير الدفاع الأميركي بولندا مؤخرًا ليؤكد هذه الحقيقة المرة والمزعجة للأوروبيين: "لن نحميكم إلى الأبد. يجب عليكم البدء فورًا في الاستثمار بكثافة في الدفاع عن أنفسكم ومصالحكم".

الأموال تتدفق بغزارة نحو الصناعات العسكرية

بمجرد أن أدركت دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون أنها أصبحت عارية تمامًا أمام المخاطر والتهديدات المحتملة، دون وجود المظلة الأميركية الواقية، انتابتها حالة من الذعر الشديد، وكأنها تركت وحيدة في غابة موحشة ومخيفة.

لطالما عرفوا أن أوروبا، باستثناء بريطانيا وفرنسا، لم تعد تملك جيوشًا قوية قادرة على مواجهة أي "غزو روسي" محتمل، لكنهم لم يكترثوا بهذا الواقع المرير.

كانت الحرب المستمرة في أوكرانيا قد سرقت النوم من عيونهم بالفعل، لكنهم وجدوا طريقة ذكية لإبعاد الخطر عنهم: "سندفع لكم المال، وأنتم تموتون في المعركة بالنيابة عنا"، هكذا أقنعوا الأوكرانيين بأن يقاتلوا ويضحوا بأرواحهم نيابة عنهم.

الاقتصاد الأقوى في أوروبا، ألمانيا، دخل في حالة ركود اقتصادي العام الماضي، ويعزى ذلك جزئيًا إلى التكاليف الباهظة لتمويل رواتب الجنود الأوكرانيين. وإذا كانت ألمانيا، بكل قوتها الاقتصادية، لم تعد قادرة على دفع المزيد، فماذا عن بقية الدول الأوروبية الأصغر والأضعف؟

لكن المشكلة الأكبر هي أن الأموال وحدها لم تعد تكفي، إذ بات واضحًا وجليًا أنه بدون الأسلحة والذخائر الأميركية المتطورة، لا يمكن لأوكرانيا أن تفعل الكثير في مواجهة الغزو الروسي.

ولا تصدقوا العروض المغرية التي تقدمها بريطانيا بإرسال قوات إلى أوكرانيا، فالأوروبيون الذين يبدؤون صباحهم بتناول الكرواسان اللذيذ مع الكابتشينو الساخن في مقاهي باريس أو لندن الأنيقة، لن يتركوا هذا النعيم المترف من أجل الذهاب للموت في سهول أوكرانيا الشاسعة. لذلك، ربما حان الوقت ليودّعوا كييف ويتخلوا عن دعمها.

أوروبا بلا قيادة أو تأثير يذكر

بينما كان الشرق الأوسط يشتعل بالحروب والصراعات الطاحنة، لم تكن أوروبا تهتم إلا بشيء واحد فقط: كيف تمنع تدفق المهاجرين واللاجئين اليائسين إلى أراضيها؟ والطريقة التي وجدوها لتحقيق ذلك لم تكن سوى إغراق قوارب اللاجئين المتهالكة في مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث تسببت إيطاليا واليونان ومالطا في موت الآلاف من الأبرياء، دون أن يثير ذلك أي ضجة أو انتقادات داخل القارة.

بدلًا من مواجهة صعود اليمين المتطرف والشعبوية المتزايدة، اعتقد الساسة الأوروبيون السذج أن تبني سياسات معادية للمهاجرين واللاجئين، سيضمن لهم البقاء في السلطة لفترة أطول. لكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا في الحفاظ على وحدة وتماسك الاتحاد الأوروبي، الذي يقترب الآن من حافة التفكك والانهيار.

وفي الوقت نفسه، فقدت أوروبا وزنها ومكانتها كقوة عسكرية أو اقتصادية قادرة على تحقيق توازن حقيقي في العالم المضطرب.

إستراتيجيتها القديمة في إدارة الأزمات الدولية ظلت كما هي دون تغيير: "ليحدث الدمار والخراب حيثما يكون، ثم تتدخل الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا لإنهاء الصراع، وبعد ذلك نشارك نحن في إعادة إعمار الدول المنكوبة ونجني الأرباح الطائلة".

ومنذ رحيل المستشارة الألمانية المحنكة أنجيلا ميركل، لم تُفرز أوروبا أي زعيم سياسي حقيقي يتمتع بالكاريزما والرؤية اللازمة. والآن، لا تبدو أوروبا فقط بلا قيادة رشيدة، بل أيضًا بلا حماية كافية من التهديدات الخارجية.

هل يمكن لتركيا أن تنقذ أوروبا من محنتها؟

لأكثر من خمسين عامًا، أبقت أوروبا تركيا على أبواب الاتحاد الأوروبي، على الرغم من استيفائها لجميع الشروط والمتطلبات اللازمة للانضمام. لكن اليوم، هناك أصوات بدأت تندم على هذا القرار الخاطئ.

تركيا، التي تمتلك الاقتصادَ الحادي عشر الأكبر عالميًا، والرابع على مستوى القارة الأوروبية، وأحدَ أقوى عشرة جيوش في العالم، بالإضافة إلى تعداد سكاني كبير يبلغ 85 مليون نسمة مع نسبة عالية من الشباب الموهوبين، كان بإمكانها أن تكون عنصرًا حيويًا في إعادة إحياء وتجديد شباب أوروبا.

الآن، بدأ الساسة والمثقفون الأوروبيون يدركون هذه الحقيقة المؤلمة، ولكن هل يمكنهم فتح أبواب الاتحاد الأوروبي أمام تركيا، في الوقت الذي لا تزال فيه القارة غارقة في مستنقع الإسلاموفوبيا والعنصرية القومية ومعاداة الأجانب؟ لست متأكدًا من ذلك على الإطلاق.

أما في تركيا، فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن غالبية الشعب لم تعد مهتمة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المتعثر. ومع ذلك، فقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريح حديث: "يمكن لتركيا، بعضويتها الكاملة، أن تنقذ الاتحاد الأوروبي من أزماته المتفاقمة، سواء في الاقتصاد أو الدفاع أو السياسة أو المكانة الدولية".

على مدار مسيرتي الصحفية الطويلة، لم يسبق لي أن كتبت عن الصراع المحتمل بين أوروبا والولايات المتحدة، لكنني اكتشفت أنه موضوع ممتع ومثير للاهتمام للغاية!

لماذا يجب علينا دائمًا أن نتحدث عن مشاكلنا وهمومنا نحن فقط؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة